نعرف القاعدة الذهبية التي يعلمها الأهل لأولادهم وهم يجلسون إلى الطاولة أو المائدة: «لتكن جلستكم مستقيمة»، إنها بداية جيدة لتجنب آلام الظهر، ولكنها غير كافية، ويجب أن نتعرف على العمود الفقري في البداية، ومن ثمة نتعرف على أسباب الآلام التي نتعرض لها:
يتألف العمود الفقري من ثلاث وثلاثين فقرة، محددة في ثلاث مناطق: الفقرات القطنية، والفقرات الظهرية، والفقرات الدماغية، وكل واحدة من هذه المناطق يمكن أن تكون خاضعة للألم.
الفقرات القطنية ـ وهي السفلى ـ تحدث آلاما تتراوح بين ألم محيط الكلية والآلام القطنية المزمنة، والفقرات الظهرية تتعرض هي الأخرى للأوجاع تحت تأثير التعب، وأخيرا، تتسبب الفقرات الدماغية بتصلب الرقبة المعروف، وكذلك بأوجاع الرأس، والآلام التي تصل حتى إلى الكتف.
هذا المجموع من الفقرات الأربع والعشرين المتحركة (إضافة إلى التسع الأخرى الملتحمة التي تشكل في أسفل الظهر العجز والعصعص) يمثل طاقة مدهشة في التحرك، فهي متناسقة مع بعضها بشكل كامل بحيث يسمح الجزء الأمامي بدعم الجسم، وتحمل الوزن، أما القسم الخلفي، فهو بدوره يؤمن الحركة، وتقع بين كل فقرة وأخرى أسطوانة صغيرة تمتص الصدمات أو تغيرات الضغط.
وهناك ثلاث وعشرون أسطوانة، تمثل كلها ثلث ارتفاع العمود الفقري، وتنطوي كل واحدة منها على نواة جيلاتينية في وسطها، محاطة بحلقة ليفية، مكونة من شرائح مصنوعة بشكل متحد المركز، تماما مثل شرائح البصل، وتخضع هذه الاسطوانات لعمل مستمر، فهي التي تتعرض للضغوط التي يخضع لها العمود الفقري.
والفقرات الصلبة مهمتها أن تعكس هذه الضغوط على الأسطوانات، وهي الملزمة بالتكيف مع هذه الضغوط، وفي الواقع فمنذ أن تخضع الاسطوانة للضغط الشديد لا تلبث النواة أن تتسطح وبذلك تعمل على تمديد الحلقة الليفية، وعند الراحة، تنقلب الآية بحيث تشتد ألياف الحلقة، وتستعيد الأسطوانة ارتفاعها الطبيعي.
ومن أجل استكمال هذه الآلية المدهشة هناك أربطة صغيرة بالغة الصلابة تحفظ الفقرات في ما بينها، وتكفل عضلات الظهر بتأمين الصلابة لكل هذا الجزء من الجسم.
أسباب آلام الظهر
إذا كان الظهر بهذا الترتيب والتوازن، فمن أين تأتي آلامنا الظهرية، علما بأن ما يقرب من 50% من الناس يعانون من هذا النوع من الآلام؟
الجواب بسيط، وهو أن الظهر هش مثل كل الأمور الميكانيكية البالغة الدقة، فهو يتفاعل بشدة مع أقل اضطراب، ونحن نعلم أن الأعصاب في كل أنحاء الجسم تستخدم كإشارات إنذار، فمع حدوث الألم تنذر بوجود خلل وظيفي أو توعك، والواقع أن الجهاز العصبي «حذر» بصورة خاصة في منطقة العمود الفقري، ولذلك فهو يحمي النخاع الشوكي الذي تنطلق منه الأعصاب التي تغطي الفقرات على كل المستويات، وهكذا تحاط الفقرات بطرفيات عصبية دقيقة (تبلغ عشرات الآلاف من المليميتر) تتأثر بأقل إنذار يتسبب بالألم.
ما هي الاختلالات الوظيفية التي يمكن أن تظهر على طول عمودنا الفقري؟
إنها اختلالات متعددة، في الواقع نشير إلى بعضها كالنتق، واللمباغو وألم عرق النسا، وتصلب الرقبة وغيرها.
ولعل المهم هو أن اثنين من كل ثلاث من هذه الحالات ترتكز إلى سبب ميكانيكي بحت، وبمعنى آخر إنها لا تحصل إلا لأننا نسيء التعامل مع ظهرنا، لذا من المناسب أن نتعلم في أثناء العمل، والرياضة أو حتى النوم كيف «نعامل» فقراتنا.
ولعل من أهم أسباب آلام الظهر هو تحميل الجسم فوق طاقته وبالتالي تحميل هذا الخلل للظهر. فحذار من حمل الأشياء الثقيلة جدا، وإذا أراد الشخص أن يرتب سريره فعليه بطي رجليه بدلا من الانحناء، وإذا كان جالسا فليحرص على أن يبقى ظهره مستقيما ومستندا إلى ظهر المقعد، وليحرص كذلك أن يكون مقعده دوارا من أجل تجنب الاستدارات القاسية للعمود الفقري.
وعلى النساء أن يبتعدن عن الكعوب العالية، فإذا ما بلغت 5 سم، فإنها تتسبب بتقوسات خطرة للفقرات القطنية، يضاف إلى ذلك أن الكعوب العالية تزيد من الطول وبالتالي تجبرك على التقوس أكثر، خصوصا وأن العمود الفقري عند النساء أكثر هشاشة منه عند الرجال، ويضع الحمل عندهن أيضا ظهورهن أمام تجربة قاسية.
وفيما يلي بعض القواعد التي يمكن أن تجنبك آلام الظهر:
كل شيء يبدأ في النوم، فحذار الأسرَّة بالغة الليونة، لأنها تشكل بالطبع حفرة تضغط على فقراتك، وحذار كذلك الوسادات الكبيرة جدا التي تؤذي رقبتك.
ولوضعية النوم أهميتها أيضا، فالنوم على البطن يتسبب بتقوس خطر في كليتيك، لذلك عليك أن تختار ما أمكن بين النوم على الجانب أو الظهر.
انهض من نومك الصباحي على مهل، لأن الظهر يفضل نهوضا متئدا ومتأنيا، لذلك يمكنك أن تتمطى أو حتى تدوس بقدميك من أجل تليين بناء عمودك الفقري.
وإذا جئنا إلى الرياضة لوجدنا أن هناك رياضات مستحبة ومطلوبة كما أن هناك رياضات مطلوبة بصورة أقل، فبالنسبة إلى ظهرك، تستحسن السباحة، والمشي، وركوب الدراجة، وفي المقابل فإن الغولف والتنس والمراكب الشراعية التي تفرض التواءات عنيفة، تبدو غير مستحبة، وإذا حدث أن انتباك ألم على أثر سقطة ما أو حتى على إثر جهد قوي، يقتضي أن تلجأ في الحال إلى التصوير الإشعاعي.
وأخيرا، فإننا جميعا معرضون للإصابة بألم الظهر، وعلينا التعامل معه بحذر وإن أول عمل ينبغي القيام به هو تهدئة الألم عن طريق المسكنات (لا ينصح بالكورتيزون)، وينصح أيضا بملازمة الفراش أو على الأقل البقاء بدون حركة لأن ذلك من شأنه إعادة الوضع الطبيعي للفقرات أو الاسطوانات المصابة، وإذا لم يكن بالإمكان ملازمة السرير لأسباب شخصية أو مهنية فيمكن حمل مشد (Lambostat) لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع فهو يعطي نتائج جيدة في 70% من الحالات، وبشرط أن يمارس التدليك في الموضع المناسب وبناء على تعليمات الطبيب، فإن هذه الوسيلة تبدو فعالة.»